الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ونصلي ونسلم على خير الخلق الذي لا نبي بعده، صلاة وتسليما دائمين أبدين ورضي الله تعالى عن صحابته والتابعين ومن تبعهم إلى يوم القيامة.
ففي يوم الأربعاء 16 محرم 1443هـ الموافق لـ25 غشت 2021م، تلقينا ببالغ الأسى بعد آذان العصر نبأ إقبال الأستاذ الواعظ وخطيب جمعة سيدي محمد أوراغ على ربه.
وأمام هذا المصاب الجلل نرجع الى نفوسنا ونتمالك أنفاسنا ونقول:” إنا لله وإنا اليه راجعون”، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرا منها، تحزن القلوب وتدمع العيون ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا. فقد أحب الله لقاءه. فأحب هو لقاء ربه.
فهنيئا لأستاذنا على مسيرته العلمية والدعوية التي ختم بها حياته فقد حرص أن يكون معلما وأستاذا وواعظا وخطيبا بمدارس ومؤسسات ومساجد إلى أن وافته المنية. “كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور.”
وقد حمل الى مسقط رأسه بعبدونة بقبيلة بني شكير إقليم الناظور، وهناك بمسجد الدوار أقيمت صلاة الجنازة على جثمانه الطاهر بعد ظهر يوم الخميس الموالي، وأقبر بمقبرة عبدونة.
فرحمة الله عليه رحمة واسعة وغفر له وشمله بعفوه ووعده لأوليائه ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون، ورفع مقامه ودرجته في عليين وألحقه بالذين أنعم عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وان المجلس العلمي بالناظور ليعزي في فقدان هذا الرجل الذي يأبى الموت الا أن يخترمه وينتزعه منا.
والأستاذ محمد أوراغ – رحمه الله تعالى-من مواليد سنة 1950 بدوار عبدونة، جماعة بني شيكر إقليم الناظور.
نشأ في أسرة فضل وعلم، ولازم كتاب الحي حتى أكمل حفظ كتاب الله تعالى على يد إمام الجماعة وشيخها يومئذ الشيخ محمد بن عمرو بن الهادي. فكان من أهل الله وخاصته منذ نعومة أظفاره، ثم واصل تعليمه النظامي بكل من الناظور وتطوان ثم الرباط.حاصل على شهادة الباكالوريا عام1971م. والإجازة في الحقوق عام 1974م.
بعدها التحق بسلك التدريس حيث آثرهذه الرسالة النبيلة والشريفة، فعمل أستاذا للغة العربية لمدة سنتين خارج الناظور، ثم التحق بثانوية الشريف محمد أمزيان، ورابط فيها وبعد مضي عقود من الزمن مالت نفسه الى تدريس مادة التربية الإسلامية بنفس المؤسسة، الى أن أحيل على المعاش قبل ثلاثة عشر عاما.
وقد أعطى لمهمته من جهده ووقته وروحه ما جعل الأجيال التي درسها تثني عليه كل خير عند ذكره.
طيلة هذه المدة التي قضاها في التربية والتعليم يشهد له تلاميذه ورفاق دربه في العمل بالإخلاص والتفاني في خدمة الناشئة كما يشهدون له بدماثة الخلق، وطيب المعشر وطيبوبة القلب.
يفتح صدره لتلاميذه فيبثون اليه شكاواهم وهمومهم وقضاياهم، فينصت لمعاناتهم، ويشاركهم آلامهم، فيسعى في حل مشاكلهم بالنصح والتوجيه تارة، وبالوساطة أخرى وبالمال في أحيان كثيرة.
الأستاذ محمد أوراغ يشهد له عارفوه بالطيبوبة والبساطة والتواضع. كيف لا وهو الذي نذر نفسه لخدمة مجتمعه وأمته من خلال رسالة التربية والتعليم من جهة، ومن خلال التوجيه الديني والإرشاد من خلال خطبة الجمعة، ودروس الوعظ والإرشاد.
فقد عرفته منابر مساجد لعراصي والساقية والشط وافتقدته كراسي الوعظ والإرشاد في مساجد كثيرة تشهد له يوم القيامة أنه أدى بعض الذي عليه.
وبرحيله يفقد المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور، وأسرة القيمين الدينيين سندا وعونا على أداء رسالة المؤسسة العلمية.
الأستاذ الراحل محمد اوراغ كان يشتغل في صمت، بعيدا عن الأضواء والضجيج،
لا يزاحم أحدا على أمر من أمور الدنيا. لم يكن رحمه الله تعالى يتكاسل عن القيام بواجبه في الدعوة الى الله إذا استنفر لذلك. وكأنه يتمثل قول الشاعر:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني** عنيت فلم أكسل ولم أتبلد.
يدعو الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ناكرا لذاته، مثالا في التفاني وحب الخير للأخرين.
ملازما للصمت، صابرا على الأذى محتسبا لله. فرحل في صمت وهدوء مثلما عاش.
يرحل الأستاذ والداعية محمد أوراغ وقد خلف وراءه أربعة أولاد من صلبه، ومئات من التلاميذ ورواد المساجد الذين يثنون عليه الثناء العطر.
يرحل أخونا محمد أوراغ الى جوار ربه ليلتحق بمن سبقه في زمن الجائحة في الإقليم من أمثال العلامة محمد حيلوة، والأستاذ محمد أمغار والأستاذ محمد الهواري رحمهم الله جميعا.يترجل الفارس وقد خلف أسى وحزنا عميقين في نفوس كل معارفه وأقاربه.
ولا نملك بهذه المناسبة الأليمة إلا أن ندعو له بالرحمة والمغفرة والرضى والرضوان، والخلد في أعالي الجنان بجوار النبي العدنان